جابر حسين العُماني
كثيرة هي الأسر التي تبحث عن المطاعم المفضلة، التي تقدم لها أطباقًا شهية ولذيذة ومتنوعة، ولكن الكثيرين منهم لا يعلمون ما وراء بعض تلك المطاعم من مشاكل صحية تُؤثر على صحة الإنسان وتضعفها.
في هذا المقال، أريد أن أتحدث عن طبخة اليوم، وهي ليست طبخة عادية توضع على طاولات المطاعم والمقاهي؛ بل هي نظرة فاحصة إلى واقع تلك المطاعم ومشاكلها التي باتت تُؤرق المجتمع وأفراده.
اليوم وللأسف، هناك مطاعم همها الربح السريع، لا تبالي بصحة الزبائن، تقدم أطباقًا من الطعام تبدو مُغرية وشهية، ولكن عندما تبحث عن واقعها الحقيقي تجدها لا تهتم بالتخزين الصحيح للمواد الغذائية التي تُريد تقديمها للناس.
وهناك قضايا عجيبة كشفت عنها الجهات المعنية في دولنا العربية والإسلامية، حول مطاعم أغلقت لمخالفتها للقوانين الصحية المنصوص عليها.
قررتُ ذات مرة الذهاب لتناول وجبة الإفطار في أحد المطاعم في إحدى الولايات، ولكن أوقفني أحد الإخوة قائلا: لا تأكل عندهم، حتى لا تندم، فسألته: لماذا؟ فأجاب: لأنهم لا يهتمون بالنظافة، وأستطيع أن أثبت لك ذلك بالدليل.
فأخذني الفضول وقلت له: تفضل أقنعني، فأخرج هاتفه وعرض عليَّ مقطع فيديو صور فيه الحادثة من الطابق الثاني لمنزله الكائن بالقرب من بيت العمال الذين يعملون في نفس المطعم، أظهر الفيديو أحد الطهاة وهو يعجن الطحين في فناء البيت في مكان غير مناسب لا تتوافر فيه معايير السلامة الغذائية، وكانت درجة الحرارة عالية جدًا، وهو لا يرتدي القميص، وكان جسده يتصبب عرقاً، ومع ذلك كان يأخذ العجينة الكبيرة ويضعها على ظهره، ثم يضعها في كيس كبير ثم يذهب بها إلى المطعم لإعدادها للزبائن.
كثيرة هي المواقف التي تجعلنا أمام المسؤولية الاجتماعية والأسرية، تجاه تلك المطاعم والمقاهي، والتي من أهمها:
- أولًا: تثقيف الأسرة والمجتمع بأهمية التوعية بالنظافة والسلامة الغذائية، وذلك من خلال الانتباه إلى نظافة المطاعم والمطابخ قبل الطلب منها، وفحص وجود شهادات صحية تمنحها الجهات الرسمية لتلك المطاعم يتم تثبيتها في المطاعم، والاهتمام بتقييمات الزبائن الموثوق بهم الذين زاروا تلك المطاعم واطمأنوا لها، والاستفادة من تجربتهم مع تلك المطاعم.
- ثانيًا: محاولة فهم جودة الطعام الذي تقدمه المطاعم قبل تناوله، ويأتي ذلك من خلال الحوار مع العائلة حول أهمية جودة الطعام وكيف نفرق بين الجيد والرديء، وكيف يتم التفريق بين اللحم الطازج الحلال، والمجمد القادم من الخارج؟ وهل هو مذكى بالطريقة الإسلامية أم لا؟ وما هو الطعام الصحي الذي ينبغي تناوله في تلك المطاعم؟ وكيف نعلم أبناءنا تذوق الطعام بذكاء وعقل وفطنة، من خلال تقييم الطعام، بحيث لا يكون همهم الوحيد فقط الشبع والوناسة والنزهة.
- ثالثًا: توعية الأسرة والمجتمع حول أسعار الأطعمة التي تقدمها تلك المطاعم، فالأسعار العالية لا تعني بالضرورة أن الوجبة لذيذة، فهناك أكلات رخيصة، ولكنها لذيذة وشهية جدًا، وعلينا أن نختار ما نتأقلم معه من أطعمة صحية تتوافق مع إمكانياتنا المادية.
- رابعاً: تثقيف الأسرة بأهمية التخطيط السليم لشراء الوجبات من تلك المطاعم وعدم الإفراط في طلب الوجبات التي تزيد على الشبع والحاجة بلا إسراف أو تبذير. قال تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} صدق الله العلي العظيم، وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: "مَنْ كَثُرَ أَكْلُهُ قَلَّتْ صِحَّتُهُ وَثَقُلَتْ عَلَى نَفْسِهِ مَئُونَتُهُ".
- خامسًا: تشجيع الأسرة على اختيار الوجبات الصحية الأقل دسومة والتي يتم طبخها بالطرق الصحية السليمة والمناسبة مثل المشويات أو الأكلات المطهية بآلات البخار، والتي يتم معرفتها من خلال قراءة قائمة الطعام المتوفرة لدى تلك المطاعم ثم تحديد الخيارات الصحية وطلبها.
- سادسًا: تربية أفراد الأسرة على أهمية التفكير النقدي، بحيث يتم تشجيعهم دائما على السؤال عن الطعام الذي يشترونه وما هي مكوناته الأساسية؟ وعدم الاهتمام بالتسويق أو الإعلانات المنشورة لتلك الوجبات، بل يجب تعويدهم على تقييم الطعام بأنفسهم وليس بالانجراف والإذعان إلى ما يقوله مشاهير التواصل الاجتماعي، فبعضهم يكذبون على الناس لأنهم يتقاضون أموالًا على تلك الإعلانات، ولو لم يحبوا تلك الوجبات فهم مجبرون على مدحها حتى يحصلوا على المال.
- سابعًا: على الجهات الرسمية عدم منح تراخيص العمل في المطاعم للعمالة الوافدة غير المتوافقة مع متطلبات الشريعة الاسلامية حفاظًا على ثقافة المجتمع، حتى نظمن تقديم طعام يتناسب مع الأحكام الاسلامية.
أخيرًا.. إنَّ ثقافة الأكل في المطاعم لا بُد أن تبنى على الوعي والإدراك بأهمية النظافة والجودة وحسن التقديم وفهم الفرق بين السعر والقيمة الغذائية، تلك هي العناصر التي إذا ما زرعت في نطاق الأسرة منذ الطفولة، فسنستطيع بناءً جيلًا واعيًا مدركًا يعي ما له وما عليه، بحيث يستطيع تجربة وجبات المطاعم ولكن بعلم ودراية وحكمة، يعيش بصحة وعافية بعيدًا عن الأمراض والعلل والأسقام.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء